مقدمة في البحث النوعي QUALITATIVE RESEARCH
العديد من الباحثين المبتدئين يقعون في حيرة في فهم مناهج البحث، وذلك يؤدي إلى الخلط في استخدام الطرق البحثية بدون وعي لأفضل استخدام لها، أو ربما يؤدي إلى أخطاء تؤدي بالبحث إما للضعف أو للرفض من قبل المحكمين لمخالفته المشهور من التوجهات العالمية في طرق البحث. في الدراسات الاجتماعية استقر أمر الكثير من العلماء على مدرستين أساسيتين: (المدرسة الكمية والمدرسة النوعية).
المدرسة الكمية:
تنطلق من الفلسفة الوضعية وهي تهتم في المقام الأول بأن الحقيقة واحدة، وتهتم بمدى قياس هذه الحقيقة، لذا تجدها تهتم كثير بأدوات القياس والاختبار.
يقول كوهين (Kuhn, 1970) “نحن نعيش في عصر الثورة المنهجية“.
أغلب الباحثين خلال القرن الماضي نشأوا في ظل الفلسفة الوضعية، المنهج الكمي أو التجريبي وخصوصا في العقود المتأخرة. كان التحدي الأكبر لهذه الفلسفة في أن الحقيقة متغيرة وتأخذ أشكالًاً متعددة مما يؤدي إلى تشكيل تغير في تفكير العارفين بها وتغير في المعرفة.
المدرسة النوعية:
إن المدرسة الوصفية أو النوعية أو التفسيرية أو الظواهرية (Naturalistic inquiry, ethnographic methodologies, qualitative research, interpretive research) -سمها ما شئت-، تنطلق من أن الحقيقة متغيرة وليست ثابتة. وفي داخل هذه المدرسة يوجد العديد من المسميات والمصطلحات يقول (تيسش Tesch .1990): بانه استطاع جمع أكثر من ستة وأربعين مصطلحاً في المدرسة النوعية.
وخروجاً من الإشكال الكبير وهو (المصطلح)، سنعتمد تسمية البحث النوعي والبحث الكمي في هذه المقالات التي أتمنى أن تصدر في كتاب منشور بعد اكتمال أجزاءها.
إن فهم المنهج النوعي يعتمد على رؤيته من خلال المحتوى الذي يبنى فيه مشكلة البحث، ويزداد الفهم بقدر التجربة والتطبيق. إن السياقات التي تكون موضوع البحث ليست مفتعلة بل هي في سياقها الطبيعي، لذا على الباحث أن يغوص في أعماقها حتى يفهمها ككل؟
كذلك فإن المشاركين في البحث النوعي يتحدثون عن تجاربهم، شعورهم، أفكارهم .. إلخ، ولرسم منظورهم الخاص من خلال الكلمات أو الأفعال. لذا فالبحث النوعي هو عملية تفاعلية بين الباحث والمشارك وطبيعة المشكلة أو البحث، وبعبارة أخرى فإن المشارك يدرس أو يعلم الباحث عن حياته الطبيعة. لذا فطريقة البحث داخل البحث النوعي تختلف باختلاف الموضوع ولا توجد طريقة واحدة صالحة لدراسة جميع المواضيع.
إن البحث النوعي يعتمد على الفلسفة القائلة بأن الحقيقة ليست واحدة وأنها متعددة ومتغيره وتتشكل وتبنى تباعا لفهم مجموعة من الناس أو الأفراد، لذا فتجد أن في المنظمة الواحدة العديد من الأفكار والحقائق حول موضوع واحد.
من جانب اخر يستعرض (ارلاندسون Erlandson .1993) الإشكال الفلسفي القائم على أنه إذا كانت الحقيقة واحدة فقط وموضوعية، فكيف تنسجم المعلومات والمعارف الجديدة مع المعلومات أو النظريات السابقة؟ مما يدفعنا للتساؤل عن الآتي:
- هل المعرفة السابقة خاطئة؟
- هل المعرفة الجديدة خاطئة؟
- هل الربط السابق بين النظرية والمعرفة كان خاطئا؟
إذن إن افتراض تغير الحقيقة وارد حتى نثبت عكس ذلك مما يدلنا على أن تراكم المعرفة تكمن في التصحيح الذاتي. وإن المشاكل التي يجب علينا التغلب عليها هي الأخطاء المنطقية، الأخطاء في العينة البحثية بتطوير التفكير المنطقي وزيادة العينة البحثية. إن الاختلاف في التصورات قد يحل بملء الفراغ في المعرفة الشخصية والتصحيح الأخطاء المنطقية.
البحث النوعي يفترض أن الحقيقة متعددة والاختلاف الذي تتضمنه لا يمكن حله بالتحليل المنطقي العقلي أو زيادة البيانات.
مجالات البحث النوعي:
من الصعب تحديد جميع المجالات التي يمكن أن يتناولها البحث النوعي، ولكن من أهمها هو السعي لاكتشاف مواقف واتجاهات الناس تجاه القضية التي نبحثها، سلوكياتهم، القيم، الدوافع والتطلعات، الثقافة وأنماط الحياة.
أما طرق جمع المعلومات فاشهرها:
- المقابلات تسجل صوتيا – ثم يتبعها بالكتابة.
- المذكرات اليومية (مثلا المذكرات التقييمية التي يكتبها المدرس حول تقدم الطلاب في مهارة ما).
- الملاحظات (حقلية).
- الوثائق وتشمل: التقارير والخطط والكتيبات والمنشورات.
أما الأسباب التي تدفع الباحث لاختيارها:
- إذا كان الهدف من البحث هو الكشف عن المعاني الدقيقة والعميقة للموضوع، وذلك من اجل الحصول على معرفة أكبر أو كانت الفكرة معقدة أكثر مما نعتقد وتحتاج لفك الكثير من الطلاسم.
- إذا كانت النظرية غير مكتملة الجوانب أو غير متاحة للجميع لفهم الموضوع أو المشكلة.
- إذا كان مجتمع الدراسة صغير جداً (مثلا رواد الفضاء في العالم العربي) (بعض الأمراض السلوكية التي تكون غير منتشرة بشكل كبير) أو كما أحب أن أفترض دائماً أنني لو اخترت عينة بحثي من (الوزراء الذين تعاقبوا على وزراتنا الحبيبية التربية والتعليم).
- إذا كان من الصعوبة بمكان استخدام الطريقة الكمية مع المشاركين في الدراسة فمثلا لا يمكن استخدام الاستبيان الإلكتروني في موضوع قياس مدى سعادة الأطفال في عمر سنتين (هنا يجب استخدام الملاحظة والمقابلة مع الأم أو الطفل إذا كان يتكلم في عمر أكبر مثلا) أو كان المشاركين غير متعلمين فيصعب استخدام الطريقة الكمية لأنها غير مجدية معهم.
إيجابيات هذه الطريقة هي:
- أنه يمكن القيام بها بسرعة.
- بها من المرونة الشيء الكثير.
- تتيح للباحث والقارئ الكثير من التوضيح.
- إمكانية المتابعة والتطوير.
- كم هائل من المعلومات التي قد لا نستطيع ايجادها من الطريقة الكمية.
- تمكين المشاركين لكي يدلوا بأصواتهم ووجهات نظرهم وهذا بخلاف الكمية التي تحدد وتحصر أسباب المشكلة مثلا في مجموعة من المتغيرات أو النقاط.
أما السلبيات في اتخاذ هذه الطريقة منهجاً فهي كالتالي:
- التكلفة العالية لأنه يطلب من الباحث أن ينتقل من مكان لآخر ويصرف الكثير من الوقت في عمل المقابلات وجمع المعلومات.
- صعوبة اتمامها بشكل جيد.
- قد لا تكون مركزة بشكل كبير (تضيع الوقت كثيرا خصوصاً للمبتدئين – قد تصل لنقطة مسدودة – قد تفتح لك مواضيع كثيرة لا تستطيع ان تركز بؤرة بحثك في نقطة معينة).
- صعوبة التعميم بها لأن العينة بها قليلة.
- تستهلك الكثير من الوقت في التحليل.
إعداد وكتابة:
د. عبدالرحمن بن عوده البلادي