هل نحتاج إلى “نظرية” في البحث العلمي؟ او بعبارة أخرى كيف تعرف أن كان بحثك بحاجة إلى نظرية أم لا؟
قد يتسائل طالب الدراسات العليا في بداية مشواره هل أنا بحاجة لوجود نظرية في بحثي أم لا.؟
الكثير يتحدث عن ضروره وجود نظرية ينطلق منها الباحث أو يستند عليها في وضع فرضيات بحثه.
لماذا الجميع يسألني عن نظريتي؟ الكثير من التساؤلات.
من أجل ذلك سنسعى في هذه المقالة محاولة الاجابة على تلك التساؤلات بشكل مبسط وميسر يفهمه المتخصص وغير المتخصص باذن الله تعالى.
وللاجابة على مثل هذا التساؤل يجب علينا أولا أن نعود الى الوراءقليلاً, وأن نتعرف على النهج الجدلي الذي سننطلق منه وما هو النموذج الذي يناسب بحثنا. ولتحقق ذلك يجب أن نتعرف على الفرق الجوهري بين مناهج الاستدلال:
وهي
- منهج الاستدلال الاستقرائي Inductive-Abductive
- ومنهج الاستدلال الاستنتاجي Deductive.
بعد ذلك ستقرر أنت أيها الباحث / أيتها الباحثة هل بحثك بحاجة إلى نظرية أم لا.
وقبل الدخول في صلب الموضوع يجب أن ننوه إلى أن الفرق بين المنهجين في الاستدلال الاستقرائي والاستنباطي هو في نقطة الانطلاق, وأن كلا المنهجين يعتمدان بشكل أساسي على قدرة الباحث على التفكير المنطقي
في موضوعه وبطريقة تحليلية من أجل التوصل إما لاستنتاجات مبنية على حقائق معروفة ومثبته مسبقاً، أو نتائج مبنية على الملاحظة استقرائيا.
وإليكم الفرق بين نهج الاستدلال الاستقرائي و نهج الاستدلال الاستنباطي:
أولا: في نهج الاستدلال الاستقرائي
Inductive reasoning approach تكون المعادلة كالتالي:
مراقبة ظاهرة > البحث عن انماط وموضوعات مفاهيمية > إختبار فرضيات مؤقتة > بناء فهم أو نظرية
كما في المعادله أعلاه في نهج الاستدلال الاستقرائي تكون نقطة البداية هي مراقبة ظاهرة وهي نقطة البداية. يمكن العثور على أنماط محددة أو موضوعات ذات صلة بموضوع الاهتمام والتي من خلالها يمكن تحديد بعض الفرضيات الأولية القابلة للاختبار.
في نهاية هذه الفرضيات يصبح بلورتها في شكل استنتاجات أو مفهوم عام او نظرية أمرا سهلا يمكن تعميمها على مجتمع الدراسة.
في هذا النهج يبدأ الباحث بالتقصي والاستقراء بالبحث عن انماط محدد أو تكرارات منتظمة من الاسفل أي من البيانات صعودا الى النظرية وليس من النظرية.
بعض الأمثلة
على سبيل المثال، في دراسة اجريت مؤخرا باستخدام النهج الاستقرائي, حيث بدأ الباحث بالتحقيق في ظاهرة استخدام الجيل الثاني من التعلم الالكتروني من قبل مجموعة من الطلبة التي لم يسبق لهم أن استخدموا هذا الاسلوب في عمليه التعليم,
في سياق تعليمي وثقافي مختلف تماما عما اعتادوا عليه. قام الباحث بالتقصى عن أنماط معينه خلال هذه الاستخدام مع الأخذ بعين الاعتبار العامل الثقافي والخلفية الدراسية والاجتماعية لهؤلاء الطلبة والتي كونت موضوع التركيز كظاهرة مستقلة.
في نهاية الأمر توصل الباحث الى مجموعة من الانماط المتكرره التي يمكن بلورتها في شكل مجموعة من الفرضيات. بعد ذلك قام من خلال منهجية بناء النظرية وما يتبعها من تقنيات في تحليل البيانات بالتركيز على اربع فرضيات جوهريه.
وبناء عليه قام بتفسير ما توصل بالنظر ومقارنة استنتاجاته بنظريات مختلفة حتى يتمكن من تعميم النتائج على الاقل على مجتمع الدراسة.
إذا, الانطلاق في هذا الاتجاه يكون من الاسفل الى الاعلى, من البيانات, من خلال المراقبة والملاحظة باتجاه بناء نظرية او مفهوم يمكن تعميمه. كما يشير النموذج التالي:
Observation → patterns → tentative hypothesis → theory or understanding
ثانيا: نهج الاستدلال الاستنباطي
Deductive reasoning approach: وتكون المعادلة كالتالي:
نظرية > فرضيات > مراقبة > اثبات أو تفنيد النظرية
في المقابل، نهج الاستدلال الاستنباطي ويسمى الاستنتاجي كما هو موضح في المعادله أعلاه يحدث بطريقة معاكسة للنهج الاستقرائي، حيث يبدأ التحقيق في قضية معينة بالإعتماد على النظرية، فمن خلال النظرية يحدد الباحث فرضيات البحث من أجل
اختبارها واثبات صحة هذه النظرية او ربما إثبات عدم صحتها وتفنيد تلك النظرية.
بعض الأمثلة
امثلة الدراسات الاستنباطية التجريبية كثيرة، ومنها اختبار تأثير زيادة عدد مرات الاستخدام (أو الكمية) لمستحضر ما, النعناع على سبيل المثال (5 ملج، لاكثر من ثلاث مرات في اليوم) على تخفيف حرقة المعدة. التجربة تكون من خلال مجموعتين واحدة تجريبية والاخرى ضابطة،
التجريبية تأخذ الدواء باستمرار لمدة أربعة أيام بجرعات زائدة (١٠ ملج، ٤ مرات في اليوم) ومجموعة ضابطه تاخذه بالجرعات المعتادة بحسب التجارب المثبتة مسبقا والتي بنيت بحسب نظرية معينة ومثبتة.
مثال آخر نظري: لنفرض أن النظرية تقول: كل يرى الناس بعين طبعة والحكم على الاخرين يبنى على تحليل الشخص لشخصيته قبل الاخرين، تستطيع ان تعمل تجربه وتتحقق من صحة إدعاء النظرية (المزعومه) من عدمه!!
لاحظ أن في هذا النهج قد يلجأ الباحث الى تصميم دراسة تجريبية, مجموعة اختبار ومجموعة ضابطة, ويبدأ بالمراقبة ومقارنة النتائج ومعرفة الفروقات ليثبت أو ينفي تلك النظرية، كما يمكن مقارنة النتائج المختلفة مع نظريات اخرى.
اذا، الاتجاه هنا عكسي فهو يبدأ من الاعلى الى الاسفل كما هو موضح في النموذج التالي:
Theory or understanding → Hypothesis → Observation → confirmation or falsification
وبعد أن تعرفنا على الفرق بين الاستدلال الاستنباطي والاستنتاجي, يجدر التنبيه إلى أن الكثير من البحوث يعتقد أصحابها أنها تصلح لأن تكون استقرائية ويفاجأون لاحقا بوجود نظريات قد تطرقت لما اعتبروه ظاهرة يمكن تتبعها استقرائيا.
لذا على الباحث أن يكثف القراءة في مجال بحثه قبل البدء واعطاء أحكام مبكره من خلال التنقير والبحث والتدبر في الدراسات السابقة عما إن كان هناك نظريات فعلا قد فسرت ما يريد الباحث تفسيره.
كتبه عمر ميان
حسابي على
مرشح الدكتوراه في تكنولوجيا المعلومات -جامعة موناش 2015
للكاتب أيضاً مواضيع سابقة مهمة
-
موضوعات بحوث الدكتوراه
-
اختيار موضوع رسالة الدكتوراه
-
تعليق على مقال: “كيف تفشل في كتابة رسالة دكتوراه”
كذلك ننصحك بالإطلاع على
Thank you